الجمعة، 7 نوفمبر 2008


لمحة تاريخية عن فلسطين والصراع العربي الصهيوني
تعتبر فلسـطين قـلب العـالـم وواسطة عقده وقبـلة انظـاره ومهـد الديانـات التـوحيديــــــة الكبرى في التاريخ وملتقى الحضارات ، وتتوسط بموقعها الاستراتيجي مفارق الطرق بين آسيا واوروبا وافريقيا، وتصل ما بين البحر الابيض المتوسط والبحر الاحمر. يحدها مــــن الغــرب البحـر الابيـض المتوسـط، ومـن الشـرق ســوريـا والاردن، ومــن الـشـمال لبنـان، ومـــــــن الجنوب سـيناء ومصر. تبلغ مساحتها 27,009 كيلومتر مـربع. ومــن الوجهـة الطبيعيــــــة تتكون من ثلاثة اقسام :
1- القسم الساحلي يمتد من رأس الناقورة الى رفح.2- القسم الجبلي يقع وسط البلاد ويمتد من جبال الجليل الى جبـال نابلس والقــدس.3- القسم الثالث غور الاردن ويقع شرقي فلسطين ويخترقه نهر الاردن .
ان اقدم اسم جرى اطلاقه على فلسطين كان "ارض كنعان" وهو الاسم الذي يتكرر ذكره مرارا في التوراة وفي عصور متأخرة جرت تسمية فلسطين بسورية الجنوبية. امــــا التسمية الاولى فتعود الى هجرات متتابعة من شبه الجزيرة العربية الى فلسطين وما جـاورهـا.
ومـن بيـن الجماعـات المبكـرة فـي الهجـرة والاستقــرار كــان الكنعانيــون والعمــوريــون، والييوسيون والمؤابيون، والفينقيون، والادوميون، والاراميون . وقـد اقـامـوا حضـــــارات وبخاصة الكنعانيون منهم والفينيقون.
وفي اواخر القرن الثاني عشر واوائل القرن الحادي عشر اخذت شعوب من غـــرب آسيا الصغرى ومن جزر بحر ايجه وصقلية تهاجر الى السواحل اللبنانية والفلسطينية وتبيـن من نقوش مصرية فرعونية ان اسم هذه الشعوب : ب ل س ت وقد استقرت اول الامر مــــا بين يافا وغزة ثم توسع استقرارها على الساحل الى الشمال من غزة. ومن اسم هذه الشعـوب التي اندمجت بالسكان الاصليين جاء اسم فلسطين.
اما الهجرة الرابعة التي استوطنت سـورية الجنوبية ( فلسطـين ) بعــد العمـورييــــن والكنعانيين والاراميين فكانت هجرة العبرانيين الذين ينتسبون الى ابراهيـم الملقـب بالعبري.
وهذه الهجرة تمت على ثلاث دفعات الاولى في القرن الثامن عشر قبل الميلاد والثانية فــــي القرن الرابع عشر قبل الميلاد والثالثة بقيادة موسى من مصر في القرن الثالث عشـر قبــــــل الميلاد. والدفعتان الاولى والثانية اسطورتان. اما الثالثة فتاريخية. وقــد اقتصــر اسـتقـــــرار العبراينين في المنطقة الجبلية الوسطى من ارض كنعان. ومنذ ان وطأت اقدامهم تلك الارض جوبهوا بمقاومة مستمرة من السكان الاصليين وبخاصة من الكنعانيين والفلسطينين في عصري القضاة والملوك كما تؤكد ذلك اسفار التوراة، لم يندمجوا بالسكان الاصليين بدواع عنصريـة لاهوتية خلافا لبقية الشعوب. وعقب وفاة الملك سليمان انقسمت المملكة الى قسمين: اسرائيل في الشمال ويهودا بالقدس، وقـد انهارت الاولى عـلى يـد الاشـــوريين عام 722 ق.م والثـانيــــة على يد البابليين عام 586 ق.م. وفي منتصف القرن السادس قبل الميلاد تمكن الفــرس مـــــن القضاء على المملكة البابلية وسمحوا لليهود الذين سباههم البابليون بالعودة من منفاهم في بابل فعاد قسم منهم فقط. خضعت فلسطين بعد ذلك لحكم اليونانيين بقيادة الاسكندر المكدوني عـام 334 ق.م ولخلفائه من بعده السلوقيين والبطالسـة ، ومــن ثـم خضعـت لحـكـم الـرومان عـام 63 ق.م. وفي عام 70 م وعام 135 م قمع الرومان انتفاضتيين يهوديتين. وخــلال الحــكــــم الروماني ولد السيد المسيح على المرجح عام 4 ق.م. ولم يعترف به اليهود وقاوموه وقاومـوا رسالته كما قاوموا اتباعه بضراوة، وقبل الفتح العربي الاسلامي لفلسـطـين كـانـت فلسـطـين خاضعة لحكم البزنطيين وتم هذا الفتح عام 638. وبقيت منذ هذا التاريخ حتى عـــــام 918 خاضعة لدولة الخلافة الاسلامية باستثناء الغزوة الصليبية مـا بيــن عــامـــي 1099- 1187 والغزوة النابليونيةعام 1799.
ولما كان العهد التركي الممتد من عام 1517-1918 قد شهد في اواخره بداية انطلاقة المشروع الصهيوني والتنبه الواعي لمقاومته، كان لا بد من تسليط الضوء على هـذه البـدايـــة وعلى التنبه للمقاومة. وفي مطلع القرن السادس عشر برز حدثان هامان تمثل الاول منهما في بسط السلطنة العثمانية هيمنتها على غالبية العالم العربي ومن ضمنه فلسطين على مدى اربعـة قرون اتصفت بالاستبداد والفساد والقمع والافقــار وتــردي الاوضــاع الاقتصــاديـــة وفــرض الضرائب الباهظة المتعددة المتراكمة على الفلاحين الذين عجزوا عن دفعها فبادرت السلطـات التركية الى مصادرة الاراضي وبيعها بالمزاد العلني احيـانـا واحيـانـا تخـلى الفـلاحـــون عـــن اراضيهم لاقطاعيين اتفقوا مع الولاة الاتراك على تسديد جانب من الضرائب. وفـي فلســــطين تمكن اقطاعيون لبنانيون وسوريون من تملك مساحات شاسعة من اراضي الفلاحين الفلسطينين ثم بيعهم لها لليهود فيما بعد. ومن الطريف ان نذكر فيما يتعلق بالضرائب الباهظة التـي عجــز الفلاحون في قرية البصة عن دفعها انهم تخلوا عنها بالتنكر لملكيتها وفرضوا بالقـــوة عـلــــى اهالي قرية الزيب المجاورة الاقرار بانها تخصهم . وعلى الرغم مـن كثـرة مســاويْ الحـكـــم التركي تبقى حسنته في رفض السلطان عبد الحميد الثاني القبول بالمشروع الصهيوني رغــــم الضغوطات الغربية وقد ادى رفضه هذا الى حبك اليهود والماسون والدونمة مؤامرة تــولـــــى تنفيذها حزب تركيا الفتاة ادت الى خلع السلطان وتولي الحزب السلطة الذي باشر بمحــاولـــــة تتريك العرب لتذوبيهم في القومية التركية الطورانية، ومن جهة ثانية بدأ منذ تسلمه الحكم عام 1909 بتسهيل هجرة اليهود واستيطانهم في فلسطين. وخلال الحرب العالمية الاولى دخـلــــت تركيا الحرب الى جانب المانيا، وفي عام 1916 اعلن العرب بزعامة الحسين بن علي الثـورة على الاتراك بالتحالف مع بريطانيا وفقا لاتفاقية حسين - مكماهون، وفـي نفس العـام تـــــــــم توقيـــــع اتفاقية سايكس – بيكو ، وفي العام التالي صدر وعد بلفور.
كانت هيمنة الاتراك على العالم العربي في مطلع القرن السـادس عشـر الحــدث الاول. اما الحدث الثاني في ذلك الوقت فيتمثل في نشأة حركة اللاصلاح الديني البروتستانتية باوروبا التي تبنت اساطير توراتية حول خرافة " الشعب المختار" و " الوعد " السماوي له بالعـــودة الى " ارض الميعاد ". وبعد ان كانت فلسطين في الوجدان المسيحي الغربي ارضا مسيحيــــة اصبحت ارضا يهودية في وقت لم يكن اليهود يفكرون بالعودة. والى جانب التحول اللاهوتــي كان للغرب اطماع استعمارية بفلسطين نظرا لما يمثله موقع فلسطين الجغرافي مــن اهميــــــة اقتصادية وعسكرية ودينية. وتشهد الغزوات الصليبية على قوة هذه الاطماع. وقد استعاد الغرب اهتمامه بالمنطقة العربية في اعقاب احتلال بريطانيا للهند، كما ايقظت حملة نابليون على مصر وفلسطين ودعوته اليهود للعودة الى " وطنهم الاصيل " بحماية فرنسية اطماع بريطانيا خاصة بعد توحيد حاكم مصر محمد علي لمصر مع بلاد الشام وبعد شق قناة السويس.
وجدت الحركة الصهيونية في اواخر القرن التاسع عشر مناخا اوروبيا لتبني مشروعها بعاملين لاهوتي بروتستانتي غربي واستعماري سبقا ولادة تلك الحركة بثلاثة قرون. ولقد وعــى الفلسطينيون مخاطر المشروع الصهيوني مبكرا قبل صدور وعد بلفور بتاريخ 2\11\1917 ، وتمثلت معارضتهم له بقوة ومعارضة كافة بلدان الهلال الخصيب له بعدة مظاهر مــن بينهــــــا الاحتجاجات الشعبية بالمظاهرات والاضرابات ومطالبة السـلطـات التـركيـة بـوقـف الهجـــــرة اليهودية ومنع انتقال ملكية الاراضي لليهود، وتمثلت ايضا بمطالبات النواب ألعرب في مجلـس النواب التركي بهذين الامرين، كما تمثلت ايضا في مقالات صحفية في العديد من الصحف مــن بينها الاصمعي، الكرمل، فلسطين، المفيد، الحقيقة، المقتبس، المنادي، الرأي العـام،وكـذلــــــــك بصدور كتب من بينها: " يقظة الامة العربية " لنجيب عازوري الصادر عام 1905، و" الساحر واليهودي " لاسعاف النشاشيبي الصادر عام 1909، و " فتاة صهيون " لمعروف الارنــــاؤط الصادر عام 1911، وكتاب " مخاطر الصهيونية " لنجيب نصار الصادر عام 1913. و واضـح الادلة على الوعي المبكر لمخاطر المشروع الصهيوني ما كتبه خليل السـكاكينـي فــي جـريـــدة الاقدام عام 1914 والذي جاء فيه : ان الصهيونيين يريدون ان يمتلكوا فلسطين قـلـب الاقطـــــار العربية والحلقة الوسطى التي تربط شبة جزيرة العرب بافريقيا. وهكذا يبدو انهم يريدون كســــر الحلقة وتقسيم الامة العربية الى جزئين للحيلولة دون توحدها، فعلى الشعب ان يـكـون واعيــــــا. انه يملك ارضا ولسانا، واذا شئت ان تقتل شعبا فاقطع لسانه واحتل ارضه وهذا بالظبط ما يعتزم الصهيونيون ان يفعلوه بالامة العربية. والى جانب هذا الوعي مارس الفلسطينيون مبكرا التصدي بالقوة للمستوطنين اليهود وكانت البداية عام 1886 عندما هاجم الفلاحون المستوطنين اليهود في بلدتي الخضيرة وملبس التي اصبحت تعرف باسم بتاح تيكفا.
بوعد بلفور اللاشرعي بدأت بريطانيا بتحقيق حلمها القديم الجديد لاســتعمار فلسـطـيـــن واقامة الكيان الصهيوني، وكانت الخطوة العملية الاولى بتطبيق اتفاقية سايكس- بيكــو لعـــــزل فلسطين عن امها سوريا. ومع دخول الجنرال اللنبي الى القدس بتاريخ 11/12/1917 فـرضـــت بريطانيا على فلسطين حكما عسكريا امتد مدة عامين، وكانت الخطوة الثانية بانتزاع بريطانيــــا من عصبة الامم بتاريخ 24 تموز1922 صك انتدابها على فلســطين المتضمن وعــد بـلفـــــــور.
وبانهائها للحكم العسكري وتنصيبها اليهودي الصهيوني هربرت صموئيل مندوبـا ســاميــــــــــا على فلسطين. وهكذا اصبح بمقدورها وضع الاسس العملية لاقامة الكيان الصهيوني مــن خلآل فتح ابواب فلسطين للمهاجرين اليهود، ومن خلال تسهيل انتقال الاراضي اليهم ، ومــن خــــلال تسليحهم وتدريبهم، واشراف الوكالة اليهودية على شؤونهم لتصبح دولـة ضمـن دولـة. جــابــــه الفلسـطينيون هذه التحديـات بمختلف السـبل فمـن الاحتجاجـات الـى الاضـرابـات الـى العصيـان المدني الى الانتفاضات والثورات التي توالت في الاعوام 1920, 1921, 1929, 1935, 1936-1939, 1946-1948, وواجهت سلطة الانتداب هـــذه بفـــــرض الاحكـام العسكرية وبالاعتقالات والبطش الدموي وهدم المنازل وحل الاحزاب السياسية .
كان لقرية البصة بحكم موقعها الجغرافي بجانب الحدود اللبنانية النصيب الاكبر مـــــن البطش البريطاني لكونها معبرا لانتقال المجاهدين مع اعتدتهم واسلحتهم من سوريا ولبنان الـــى فلسطين ولمشاركة البصيين في الانتفاضات والثورات والهجوم على المستعمرات خاصة فـــــي الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، ولانهم تمسكو باراضيهم ولم يبيعــوا شـبرا واحـــــد لليهود، ومن الاجراءات البريطانية الوحشية التي سقط فيها عدد من الشهداء من بينهم مخـايــــل عوده، ركاد الليوس، شكري الليوس، يوسف يونان، توفيق الجمل وابو تيم عـــدا عشـــــــــرات الجرحى، وعدا عن الاعتقالات والتعذيب والسجن، فقد اقامت الادارة العسـكريــــة البريطانـيــــة جـدارا عـريضا عـاليا مـن الاســلاك الشـائكـة امـتد مـن البـحـر المتوســط بـمـوازاة الـحــــــدود اللبنانية مارا بوسط البلدة الذي شطرها الى قسمين بغية اقفال المعبر الذي كان ممرا للمجاهديـن، يضاف الى ذلك هدم العديد من المنازل مع فرض التجول ومداهمة المنازل.
وقبيل نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين وحدوث نكبة عام 1948 انشأ اهالي قرية البصة " اللجنة القومية العربية الفلسطينية " للاشراف على التسلح والتدريب للدفاع عن بلدتهم اسوة ببقية القرى والمدن الفلسطينية ، ولكن المؤامرة التي شاركت فيها بريطانيا جامعة الــدول العربية، والتفوق العسكري والتنظيمي الصهيوني ادى الى وقوع الكارثة. وفيما يتعلق بقريــــة البصة لم يتمكن المدافعون عنها من الصمود وسقط منهم شهداء من بينهم خضر عبد العال، حنا فرح، واغتال الصهاينة في كنيسة الروم الارثوذكس عددا من الفتيان والفتيات كان مـن بينـهـــم سليم اندراوس شقيقته ايلين ، البير ابو حمرا، وموسى سليم ، ابو عباس عبد العال، جريس كامل نادر وسليم شويري. اما القلة المتبقية فقد جرى اقتلاعهم واصبحوا حتى الان لاجئين في وطنهم، واما الاكثرية فقد اصبحوا لاجئين في لبنان وسوريا وتوزعوا باكثريتهم في المخيمات. واسـتقـــر البصيون منهم في الغالب في مخيم البص، مخيم الرشيدية ، مخيم عين الحلوة ومخيـم ضبيـــــه. و رغم قسوة الاوضاع بعد التشرد تمكن الفلسطينيون والبصيون من بينهم من الصمود والتمســك بحق العودة وتدبر امورهم المعيشية والتعليمية والنضالية.
وفي الازمات اللبنانية وخاصة بالحرب الاهلية كابد الفلسطينيون المشقات والويـــــلات خاصة في مخيمات تل الزعتر وجسر الباشا وضبية حيث تم اقتلاع ساكنيها منها، ولقيت القلــة المتبقية من اهل البصة في مخيم ضبيه مضايقات، وسقط منهم عدد وافــر مــن الشـهداء عنــــد اجتياح القوات اللبنانية للمخيم، واضطر قسم كبير منهم للنزوح الى بيروت الغربية. وفي بنايـــة الصنايع ببيروت الغربية قضى عشرات البصيين الذين هجروا مخيم ضبيه نحبهم عندما دمــرت اسرائيل تلك البناية على من كان فيها . وبسبب الحرب الاهلية والاجتياح الاسرائيلي للبنان عــام 1982 نزح العديد من الفلسطينين الى خارج لبنان ومن بينهم البصيون. وقد استقر البصيون في العديد من الاقطار كانت الكثرة منهم في كندا والولايات المتحدة الامريكية وبعضهم فـي بلـــدان اوروبية كالدانمرك والمانيا والسويد والنروج واسبانيا، ولا يزال البعض في بلدان الخليج العربي مع اعتزام الاستقرار خارج لبنان وخارج تلك البلدان. اما الفلسطينيون المسـتقرون فــي لبنــان فاوضاعهم المعيشية بائسة بسبب القوانين اللبنانية التي تحول دون تمكنهم من العمل.
ورغم التشرد والشتات فان الفلسطينين اللاجئين في وطنهم وفي المنافي متمسكون بحق العودة، ومن الادلة الساطعة على ذلك ان اهل البصة في كندا وفي الولايات المتحدة وفي لبنــان انشأوا روابط بصية للتعاون ولغرس الشعور بالانتماء الوطني والقومـي فـي وجـــدان النــــشء الطالع ليبقى مستمرا في التمسك الصارم بقريته السليبة شأن البصيين في ذلك شأن غالبية قرى ومدن فلسطين.
اعداد الأستاذ يوسف ايوب حداد

ليست هناك تعليقات: