الأحد، 9 نوفمبر 2008


e

ahmad

a


444


:: الرفيق القائد وديع حداد

السبت, 08 نوفمبر, 2008
ولد الشهيد وديع حداد في مدينة صفد في العام 1927 ، وكان والده يعمل مدرساً للغة العربية في إحدى المدارس الثانوية في مدينة حيفا ، وبحكم وجود والده في مدينة حيفا فقد تلقي تعليمه الابتدائي والاعدادي والثانوي في هذه المدينة ، وأثناء وجوده على مقاعد الدراسة بمراحلها المختلفة تميّز الشهيد وديع بذكائه المتقد ونشاطيته المميزة وتفوقه في مادة الرياضيات ، كما أنه كان شابا رياضياً يمارس رياضة الجري وأنشطة رياضية أخري.
ونتيجة للمأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة النكبة عام 48 ، اضطر الشهيد وديع للهجرة من وطنه ولجوئه مع عائلته ووالده إلي مدينة بيروت حيث استقر بهم المآل هناك ، وفي هذه الأثناء التحق وديع بمقاعد الدراسة في الجامعة الأميركية ليدرس الطب.
لقد ولّدت النكبة داخل الشهيد وديع شعوراً عالياً بالمسؤولية تجاه شعبه وقضيته التي إزدادت مأساوية علي ضوء النكبة ، الأمر الذي عكس نفسه علي اهتماماته وتوجهاته المستقبلية ، ودفعت به باتجاه الإنخراط الفعلي في الفعل الوطني الكفاحي للشعب الفلسطيني ، وقد تجلّت بواكير هذه التوجهات خلال انخراطه وهو ما يزال علي مقاعد الدراسة في اغاثة أبناء شعبه المشردين جراء النكبة ، ولاحقاً عبر انخراطه في جمعية "العروة الوثقي" التي بدأت بلعب دور سياسي بعد انخراط الشباب القومي المتحمس للعمل السياسي بها ، وتولي الشهيد وديع موقعاً قيادياً في هذه الجمعية.
وما أن أعلن عن تشكيل "هيئة مقاومة الصلح مع اسرائيل" والتي تم تشكيلها من قبل "الشباب العربي القومي" تصدّر الشهيد وديع الأنشطة السياسية التي كانت تقوم بها هذه الهيئة كعضو قيادي فيها ، وكانت هذه الهيئة تقوم بأنشطة عديدة لمناهضة الصلح تمثلت بالمظاهرات والمنشورات ، الى جانب دورية "الثأر" ، ويمكن القول أن الشهيد وديع بدأ عمله السياسي كمحترف وقائد سياسي وجماهيري بعد تخرجه كطبيب من الجامعة الأمريكية وانتقاله الى ساحة الاردن والتحاقه برفيق دربه الدكتور جورج حبش الذي كان قد سبقه الي هناك ، ليشكلا معاً العيادة المجانية إلي جانب عيادتيهما ، معتبرين نشاطهما الأساسي والرئيسي ، النشاط الوطني والقومي وليس الطبي.
وفي سبيل تعميق وتجذير التوجه الذي اختطّاه في العيادة الطبية ، قاما بإنشاء صفوف تدريس لمحو الأمية لكبار السن ، كما استطاعا وعبر رفاق اردنيين أعضاء في الحركة النفاذ إلي نادي "المنتدي العربي" واعتباره أحد المنابر التي إنطلق نشاط الحركة من خلاله.
وقد تتوجت تلك التوجهات ببلورة نواة كحركة القوميين العرب في الأردن ، استطاعت وبزمن قياسي أن تساهم بشكل أساسي في المواجهات التي خاضتها الحركة الوطنية الأردنية في مواجهة "تمبلر" ومشروع حلف بغداد واسقاط حكومة هزاع المجالى وتالياً تدريب قيادة الجيش رحيل كلوب باشا ، وقد مثلت هذه التوجهات بداية نهوض وطني عام في الأردن.
وعلي ضوء هذه المعارك والمواجهات والدور الملموس الذي لعبته الحركة خلالها ، أصبحت تحظي بدور وسمعة جماهيرية عالية وكبيرة ، وبرز الشهيد وديع بوصفه الدينامو المحرك والموجه لفعلها الميداني المتنامي.
لكن النظام الأردني لم يسلم بالهزيمة التي لحقت به ، وقام بهجوم معاكس تمثل بانقلابه الأسود في نيسان عام 1957 ضد حكومة النابلسي الوطنية ، واتبعها بحملة اعتقالات واسعة طالت رموز وقيادات الحركة الوطنية ونشطائها ، وكان من ضمن الذين ألقي القبض عليهم الدكتور وديع الذي أودع في المعتقل الصحراوي المعروف "بسجن الجفر".
ومكث الدكتور وديع حداد ثلاث سنوات في معتقل الجفر الصحراوي ، وبعد جهود مكثفة افرجت السلطات الاردنية عنه ، وخلال وجوده في المعتقل مثل الدكتور وديع نموذجاً وقدوة لكافة القوي ، ولم ينس رسالته الانسانية والجماهيرية ، حيث قام وخلال سجنه باغاثة وعلاج أبناء العشائر البدوية المقيمين في المنطقة بشكل طوعي ومجاني.
التحق الدكتور وديع فوراً بمقر الحركة في دمشق بعد تحرره ، وهناك وعلي ضوء العلاقة الجيدة بين الحركة وقيادة الجمهورية العربية المتحدة وعبد النصار ، ونظراً لاندماجه في المواضيع العملية ، انخرط في دورة عسكرية في دمشق وكان المسؤول الأول عن هذه الدورة ، ولاحقاً أسندت له الحركة مسؤولية العمل الفلسطيني والذي كان حتي ذلك الوقت ممثلاً برأس قيادي في إطار الحركة ولم يكن فرعاً متكاملاً.
وعلي ضوء عملية الانفصال التي حصلت بين مصر وسوريا ، انتقل وديع الى بيروت واستمر في تولي مسؤوليته القيادية للجانب الفلسطيني ، وفي مرحلة لاحقة تولي مسؤولية العمل العسكري لكل فروع حركة القوميين العرب حيثما تواجدت ، حيث أسندت له مهمة الإعداد للعمل الفدائي فلسطينياً وعربياً (اليمن - ليبيا - وأقطار أخري) وعلي المستوي الفلسطيني كان الشهيد وديع من أكثر المتحمسين لبدء العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني.
وجاءت هزيمة حزيران 1967 لتزيد اندفاعته وحماسه في ممارسة الكفاح المسلح ، خصوصاً وبعدما تأكد عجز الأنظمة العربية وقصور برامجها ، وكان الشهيد وديع مشدوداً لانشاء جبهة فلسطينية كاملة تضم كل القوى المسلحة على الساحة الفلسطينية علي شاكلة الجبهة التي تشكلت في الجزائر ، ولاخراج هذه الفكرة إلي حيز الوجود الفعلي ، قام الشهيد وديع مندوباً عن الحركة بفتح حوار مع كل من حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية ، و "طلائع حرب التحرير الشعبية" (الصاعقة) وفشلت المحاولة بسبب موقف قيادة فتح من مسألة الجبهة الوطنية.
وفي ظل الأجواء الملبدة بغيوم الهزيمة العربية الرسمية في حزيران 67 ، وفي ظل الشعور المتزايد لدي قيادة حركة القوميين العرب أن النضال القومي قد غيّب الخاص الفلسطيني ، فقد اتجهت الجهود نحو تشكيل أداة فلسطينية تكون مهمتها النضال من أجل تحرير فلسطين ، عبر تبنيها لأشكال نضال ووسائل كفاحية تتخطي وتتجاوز الأشكال والأساليب التى اتبعتها الأنظمة العربية الرسمية ، والتي ثبت عجزها علي مواجهة التوسع الصهيوني واسترداد فلسطين ، وتم تشكيل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من شباب الثأر وأبطال العودة وجبهة التحرير الفلسطينية وعدد من الشخصيات والرموز الوطنية القومية الناصرية.
ومنذ التأسيس تولي الدكتور وديع مهمات قيادية أساسية جداً في الجبهة حيث أسندت له مهمتان رئيسيتان هما المالية والعمل العسكري الخارجي ، وأثبت الرفيق الشهيد من خلالهما قدرات قيادية وعملية جديرة بالاحترام والتقدير ، حيث جسد شعار "وراء العدو في كل مكان" بطريقة فاعلة.
ومهما تكن وجهات النظر التي طرحت سابقاً وربما تطرح الآن بخصوص هذا الشكل الكفاحي ، فإن العمليات العسكرية التي نفذتها الجبهة ، والخط التكتيكى العسكري الذي قاده الرفيق الشهيد وديع كانت في حينه ضرورة من ضرورات اشهار القضية الفلسطينية وتعريف العالم بقضية هذا الشعب ومعاناته جراء الغزوة الصهيونية الغاشمة التي شردته من أرضه ووطنه ورمت به في شتات الأرض ومخيمات اللجوء المختلفة.
لسنوات مضت قبل استشهاد وديع عاشت قيادة الجبهة مع الشهيد خلافاً تنظيمياً تلمس رفاق الشهيد د. وديع حداد الدور الكفاحي الذي لعبه علي المستويين الوطني والقومي ، وأعاد المؤتمر الوطني الخامس الإعتبار التنظيمي له ، باعتباره رمزاً وطنياً وفلسطينياً فذاً قدم كل شئ في سبيل فلسطين التي حلم وعمل دائماً من أجل الوصول إليها بأقرب الآجال وبأقصر الطرق.
استشهد في عام 1978 في ألمانيا الشرقية.
أضافها
خبّر عن هذا المقال:






:: يوم الأرض في الأدب الشعبي الفلسطيني

السبت, 08 نوفمبر, 2008
بقلم : عابد عبيد الزريعي
" قال : الأرض بتفرق ع شبر قالوا : وآنت الصادق ع ظفر "مثل شعبي فلسطينيجاء يوم الأرض في الثلاثين من مارس 1976 , كتتويج لمسار نضالي ، بدأت ملامحه في التشكل بعد هزيمة 1948 . حيث وجدت الجماهير الفلسطينية ، التي لم تغادر وطنها , نفسها وبشكل مباشر في أتون معركتين ضاريتين ، الأولى هي معركة الأرض وحمايتها من المصادرة , والثانية هي معركة الإنسان , وحمايته من الاستلاب ومحو هويته الوطنية , وكانت تدرك أنها في سياق معركتها في الدفاع عن الأرض , تبلور شخصيتها الوطنية وتحميها من الاستلاب .وخلال هذا المسار كان الأدب الشعبي , في قلب المعركة , وكان المبدعون الشعبيون هم الناطقون الرسميون باسم الجماهير المناضلة ، والمعبرين بصدق وأمانة , عن صمود الإنسان وتصديه لسياسة مصادرة الأرض ، التي انتهجتها الحكومة الإسرائيلية ، في محاولة منها لاستغلال تداعيات الهزيمة على عقل ووجدان الإنسان , الذي لم يكن أمامه آلا آن يقبض على كل حفنة من التراب , يتنسم رائحتها الزكية ، ويرص الكتف آلي الكتف دفاعا عنها وحماية لها : وفتحنا لابواب الفن غالين // وقلوبنا من مزيد الشوق غالينكروم الناصرة عالكل غالين // وأغلى من شي اسمو الذهببلاد العز لاتقولوا نسي لها // اباترنا بايدينا نسلهايارب بلادنا يكثر نسلها // ولكل شجرة زيتون اربع صحابوتسجل الاهزوجة الشعبية صمود الجماهير في وجه رصاص العدو في ايار 1958 ، وهي تتصدى لسياسة مصادرة الارض ، مستمدة العزم من ايمانها وتمسكها بحقوقها الوطنية ، ومن وعيها بانتمائها القومي ، الذي جسدته جماهير بورسعيد بصمودها في عدوان 1956 :والناصرة ركن الجليل // فيك البوليس مدحوليارض العروبة تحررت // دايان شيل وارحلاخواننا في بورسعيد // الهم تاريخ مسجليلو وقعت سابع سما // عن ارضنا مابنرحلكما يسجل الأدب الشعبي بطولة الجماهير التي انتصرت على قرار موسي ديان بمصادرة الاف الدونمات من الأرض العربية في نحف والنبعة ودير الاسد بمنطقة شاغور بشمال فلسطين :نادى المنادي في الجليل // ارض العروبة للعربشاغور مالك مثيل // وترابك اغلى من الذهبوبوحدة رجال الشاغور // امر المصادرة انشطبديان امرك مستحيل // بالوحدة راح ينشطبكما كان الأدب الشعبي هو المعبر عن حالة التواصل والتفاعل النضالي , بين الجماهير الفلسطينية في الضفة والقطاع واراضي 1948 , بعد هزيمة حزيران 1967 , فقد عكس هذه المسألة بعمق شديد ، في كثير من الأغاني والأهازيج ، التي ترسم صورة حية وقادة للنضال الجماهيري داخل الوطن المحتل , وتعبر عن توق الإنسان الفلسطيني للحرية ، ونضاله من اجل كنس الاحتلال : مهما طول عتم الليل // بتجليه شمس الحريةمهما طال الليل وطال // وغطى سواده ع الاطلالعنا في الوطن ابطال :: بتعيد شمس الحرية وهي صورة مشهدية , تمتاز باتساعها وغنى عناصر الفعل المكونة لها والتي تمنحها الحيوية والحركة , وينبني هذا الاتساع على الإيمان الواعي , بوحدة النضال الجماهيري داخل الأرض المحتلة، عام 1967 ، أوتلك التي احتلت بعد هزيمة 1948 ، خاصة وان سياسة مصادرة الأرض ، قد امتدت وتواصلت ، في كل الأرض المحتلة , تقول الأغنية : هبت ارباب الاعلامتحيي الجرأة والاقدامشعب الضفة ثار وقاممن غزة حتى اليامونهبت كل الملايينتحيا نابلس وجنينغزة ومعاها برقين //وحيفا وعكا وعفولهويافا النا واللطرونويرسم الأدب الشعبي صورة لنضال الجماهير الفلسطينية ، التي تواصل تصديها , لمحاولات العدو قمع حركتهم النضالية بالاعتقال ومنع التجول ، فيقول الشاعر على لسان الجماهير :- مش ممكن ندخل ملجا // لابالسيله ولا بعجهومن الطيرة ومن برقا // بساحات الميادينا- على ارض الضفة في شعب يناضل // من اجل الحرية اوقد مشاعلفي الجليل الغالي , وغزه ع الساحل // وانت يافلاح وانت ياعامل // اطرد من ارضك جيش الصهيوناآن الأدب الشعبي لا يكتفي برسم صورة الحركة الجماهيرية الناهضة ضد الاحتلال ، ولكنه يتجاوز آلي تبريرها ، وصياغة مصداقيتها ، المستندة آلي الوعي ، بجوهر العدو الصهيوني ، المتمثل في الاقتلاع والاستيطان , تقول الاغنية : ميجنا ياميجنا ياميجنايابا الدهر دولابو دار بيوبصيح وفش عادل داربييابا الحرامي صار ساكن دار بيوعم يسميني مخرب ابوابآن احتلال الارض / الحرامي / وغياب العدل / فش عادل / بقدر مايبرر حق صاحب البيت في النضال من اجل استعادته ، فانه يفند في ذات الوقت كل محاولة لوسم هذا النضال بالتخريب ، ويضعه في موقعه الصحيح ، الذي يجب آن يكون في مواجهة الاحتلال / الذين طردوا وسكنوا / حتى استعادة ارض الجدود كما يقول النص : مكرس حياتي جاي حرر الاوطان // من اللي طردني من دياري وسكن فيهاارض الجدود من قديم الزمان // بدمي وبدم اولادي بفديهاوفي هذا المسار النضالي ، المقاوم لسياسة الاحتلال ، القائمة على الاقتلاع ، ومصادرة الأراضي ، من اجل بناء المستوطنات ، وتحويل المزارعين الفلسطينيين آلي عمال من الدرجة الثانية في الاقتصاد الإسرائيلي, انفجرت انتفاضة يوم الأرض ، في الأراضي المحتلة عام 1948 , ليمتد لهيبها آلي الضفة والقطاع , ويتجاوب معها الشعب الفلسطيني في مختلف بلدان الشتات .وقد تميزت صورة انتفاضة يوم الأرض ، في الأدب الشعبي ، بعناصرها / الأرض والدم والشجر والخيل والفرسان / التي تكشف عن إرادة الشعب الفلسطيني الوهاجة ، وتصميمه على حماية كل شبر من ارضه , تقول الاغنية :لاجل الزيتونة والتوت // واشجار الماندلينابدنا نحارب حتى نموت // او ترجع فلسطيناوترسم الأغنية الشعبية المشهد الكامل ليوم الأرض ، حيث يتوحد الإنسان بالوطن ، وتتلون الأرض بالأحمر القاني ، وتردد أغاني الشعب :يا طلت خيلنا من قاع وادي // يا طلت خيلنا من قاع واديعوايد رجالنا تكيد الاعادي // عوايد رجالنا تكيد الاعاديياطلت خيلنا من دير حنا // يومك يارض والشعب غنىياطبت خيلنا من كفر كنا // يومك يارض والدم غنىياطلت خيلنا من مجد الكروم // دمك شبابنا ع الارض بيعومياطلت خيلنا من صوب عرابه // لاجلك يابلادنا ضحوا الشبابياطلت خيلنا من تل سخنين // يومك يارضنا نحنا شاهدينياطبت خيلنا من فوق الرامه // تسلم ياشعبنا يابو الكرامهياطلت خيلنا من ارض البعنه // بغني ع بلادنا والجمع سامعنيياطلت خيلنا من ابو سنان // حبك يابلادي مكتوب ع لساني ويستمر المبدع الشعبي في رسم صورة الفرسان ، القادمين آلي معركة الأرض من كل القرى والمدن الفلسطينية , ليجسد بعملية تسجيل أسمائها في اللغة ، شكلا آخر من أشكال النضال , ضد عملية المصادرة والاستلاب . وتكثف الأغنية الخيار الوطني ، الذي خرجت الجماهير به من المعركة ، وهي اكثر ثقة بقدراتها , بعد آن جعلت من يوم الأرض مناسبة تاريخية تشهد على عزمها وتصميمها علىمواصة النضال حتى نيل جميع حقوقها الوطنية :- نحنا بشعب بلادي بنتغنى // ليوم الارض لصيتو رنهتحيا عنابه ودير حنا // كانوا فوارس كانوا يموتونا- لو ماعنا غير القوت // ابنصمد في اراضيناوبدنا نجاهد حتى نموت// لاخر واحد فينا

خبّر عن هذا المقال:





100


:: قصيدة محمود درويش الجديدة... مَنْ أَنا لأقول لكمْ ما أَقول لكمْ

السبت, 08 نوفمبر, 2008
مَنْ أَنا لأقول لكمْ ما أَقول لكمْ ؟
وأَنا لم أكُنْ حجراً صَقَلَتْهُ المياهُ فأصبح وجهاً ولا قَصَباً ثقَبتْهُ الرياحُ فأصبح ناياً ...
أَنا لاعب النَرْدِ ، أَربح حيناً وأَخسر حيناً أَنا مثلكمْ أَو أَقلُّ قليلاً ...
وُلدتُ إلي جانب البئرِ والشجراتِ الثلاثِ الوحيدات كالراهباتْ
وُلدتُ بلا زَفّةٍ وبلا قابلةْ وسُمِّيتُ باسمي مُصَادَفَةً وانتميتُ إلي عائلةْ مصادفَةً ، ووَرِثْتُ ملامحها والصفاتْ وأَمراضها :
أَولاً - خَلَلاً في شرايينها وضغطَ دمٍ مرتفعْ
ثانياً - خجلاً في مخاطبة الأمِّ والأَبِ والجدَّة - الشجرةْ
ثالثاً - أَملاً في الشفاء من الانفلونزابفنجان بابونج ٍ ساخن
ٍرابعاً - كسلاً في الحديث عن الظبي والقُبَّرة
خامساً - مللاً في ليالي الشتاءْ
سادساً - فشلاً فادحاً في الغناءْ ...
ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ كانت مصادفةً أَن أكونْ ذَكَراً ...
ومصادفةً أَن أَري قمراًشاحباً مثل ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات ولم أَجتهد كي أَجدْ شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً !
كان يمكن أن لا أكونْ كان يمكن أن لا يكون أَبي قد تزوَّج أُمي مصادفةً أَو أكونْ مثل أُختي التي صرخت ثم ماتت ولم تنتبه إلي أَنها وُلدت ساعةً واحدةْ ولم تعرف الوالدة ْ ...
أَو : كَبَيْض حَمَامٍ تكسَّرَقبل انبلاج فِراخ الحمام من الكِلْسِ /كانت مصادفة أَن أكون أنا الحيّ في حادث الباصِ حيث تأخَّرْتُ عن رحلتي المدرسيّة ْلأني نسيتُ الوجود وأَحواله عندما كنت أَقرأ في الليل قصَّةَ حُبٍّ تَقمَّصْتُ دور المؤلف فيهاودورَ الحبيب - الضحيَّة ْفكنتُ شهيد الهوي في الروايةِ والحيَّ في حادث السيرِ
لا دور لي في المزاح مع البحرِلكنني وَلَدٌ طائشٌ من هُواة التسكّع في جاذبيّة ماءٍ ينادي : تعال إليّْ !
ولا دور لي في النجاة من البحرِأَنْقَذَني نورسٌ آدميٌّرأي الموج يصطادني ويشلُّ يديّْ كان يمكن أَلاَّ أكون مُصاباً بجنِّ المُعَلَّقة الجاهليّةِ لو أَن بوَّابة الدار كانت شماليّةًلا تطلُّ علي البحرِ
لو أَن دوريّةَ الجيش لم تر نار القريت خبز الليل َ
لو أَن خمسة عشر شهيداًأَعادوا بناء المتاريسِ
لو أَن ذاك المكان الزراعيَّ لم ينكسرْرُبَّما صرتُ زيتونةًأو مُعَلِّم جغرافيا أو خبيراً بمملكة النمل أو حارساً للصدي !
مَنْ أنا لأقول لكم ما أقول لكم عند باب الكنيسةْ ولستُ سوي رمية النرد ما بين مُفْتَرِس ٍ وفريسةْ ربحت مزيداً من الصحولا لأكون سعيداً بليلتيَ المقمرة ْبل لكي أَشهد المجزرةْ
نجوتُ مصادفةً : كُنْتُ أَصغرَ من هَدَف عسكريّ و أكبرَ من نحلة تتنقل بين زهور السياجْ وخفتُ كثيراً علي إخوتي وأَبي وخفتُ علي زَمَن ٍ من زجاجْ وخفتُ علي قطتي وعلي أَرنبي وعلي قمر ساحر فوق مئذنة المسجد العاليةْ وخفت علي عِنَبِ الداليةْ يتدلّي كأثداء كلبتنا ...ومشي الخوفُ بي ومشيت بهِ حافياً ، ناسياً ذكرياتي الصغيرة عما أُريدُ من الغد - لا وقت للغد -
أَمشي / أهرولُ / أركضُ / أصعدُ / أنزلُ / أصرخُ / أَنبحُ / أعوي / أنادي / أولولُ / أُسرعُ / أُبطئ / أهوي / أخفُّ / أجفُّ / أسيرُ / أطيرُ / أري / لا أري / أتعثَّرُ / أَصفرُّ / أخضرُّ / أزرقُّ / أنشقُّ / أجهشُ / أعطشُ / أتعبُ / أسغَبُ / أسقطُ / أنهضُ / أركضُ / أنسي / أري / لا أري / أتذكَّرُ / أَسمعُ / أُبصرُ / أهذي / أُهَلْوِس / أهمسُ / أصرخُ / لا أستطيع / أَئنُّ / أُجنّ / أَضلّ / أقلُّ / وأكثرُ / أسقط / أعلو / وأهبط / أُدْمَي / ويغمي عليّ /ومن حسن حظّيَ أن الذئاب اختفت من هناك مُصَادفةً ، أو هروباً من الجيش ِ / لا دور لي في حياتي سوي أَنني ،عندما عَـلَّمتني تراتيلها ، قلتُ : هل من مزيد ؟وأَوقدتُ قنديلها ثم حاولتُ تعديلها ...كان يمكن أن لا أكون سُنُونُوَّةً لو أرادت لِيَ الريحُ ذلك ،والريح حظُّ المسافرِ ...شمألتُ ، شرَّقتُ ، غَرَّبتُ أما الجنوب فكان قصياً عصيّاً عليَّ لأن الجنوب بلادي فصرتُ مجاز سُنُونُوَّةٍ لأحلِّق فوق حطامي ربيعاً خريفاً ..أُعمِّدُ ريشي بغيم البحيرة ِثم أُطيل سلامي علي الناصريِّ الذي لا يموت ُلأن به نَفَسَ الله والله حظُّ النبيّ ...ومن حسن حظّيَ أَنيَ جارُ الأُلوهةِ ...من سوء حظّيَ أَن الصليب هو السُلَّمُ الأزليُّ إلي غدنا !مَنْ أَنا لأقول لكمما أقولُ لكم ،
مَنْ أنا ؟
كان يمكن أن لا يحالفني الوحيُ والوحي حظُّ الوحيدين
إنَّ القصيدة رَمْيَةُ نَرْدٍ علي رُقْعَةٍ من ظلامْ تشعُّ ، وقد لا تشعّ ُفي هوي الكلام ْكريش علي الرملِ
/لا دَوْرَ لي في القصيدة غيرُ امتثالي لإيقاعها :حركاتِ الأحاسيس حسّاً يعدِّل حسا ًوحَدْساً يُنَزِّلُ معني
وغيبوبة في صدي الكلمات
وصورة نفسي التي انتقلت من أَنايَ إلي غيرها واعتمادي علي نَفَسِي وحنيني إلي النبعِ /
لا دور لي في القصيدة إلاّ َإذا انقطع الوحي ُوالوحيُ حظُّ المهارة إذ تجتهد ْكان يمكن ألاَّ أُحبّ الفتاة التي سألتني : كمِ الساعةُ الآنَ ؟لو لم أَكن في طريقي إلي السينما ...كان يمكن ألاَّ تكون خلاسيّةً مثلما هي ،
أو خاطراً غامقاً مبهما ...
هكذا تولد الكلماتُ .
أُدرِّبُ قلبي علي الحب كي يَسَعَ الورد والشوكَ ...
صوفيَّةٌ مفرداتي .
وحسِّيَّةٌ رغباتي
ولستُ أنا مَنْ أنا الآن إلاَّإذا التقتِ الاثنتان ِ :أَنا ، وأَنا الأنثويَّةُ
يا حُبّ ! ما أَنت ؟ كم أنتَ أنتَ ولا أنتَ .
يا حبّ ! هُبَّ علينا عواصفَ رعديّةً كي نصير إلي ما تحبّ لنا من حلول السماويِّ في الجسديّ .
وذُبْ في مصبّ يفيض من الجانبين .
فأنت - وإن كنت تظهر أَو تَتَبطَّنُ - لا شكل لك ونحن نحبك حين نحبُّ مصادفةً
أَنت حظّ المساكين /من سوء حظّيَ أَني نجوت مراراًمن الموت حبّاًومن حُسْن حظّي أنيَ ما زلت هشاً لأدخل في التجربةْ !
يقول المحبُّ المجرِّبُ في سرِّه :هو الحبُّ كذبتنا الصادقةْ
فتسمعه العاشقةْ وتقول : هو الحبّ ، يأتي ويذهبُ كالبرق والصاعقة
للحياة أقول : علي مهلك ، انتظريني إلي أن تجفُّ الثُمَالَةُ في قَدَحي ...في الحديقة وردٌ مشاع ، ولا يستطيع الهواءُ الفكاكَ من الوردةِ /انتظريني لئلاَّ تفرَّ العنادلُ مِنِّي فاُخطئ في اللحنِ /
في الساحة المنشدون يَشُدُّون أوتار آلاتهمْ لنشيد الوداع .
علي مَهْلِكِ اختصريني لئلاَّ يطول النشيد ، فينقطع النبرُ بين المطالع ،وَهْيَ ثنائيَّةٌ والختامِ الأُحاديّ :تحيا الحياة !
علي رسلك احتضنيني لئلاَّ تبعثرني الريحُ /حتي علي الريح ، لا أستطيع الفكاك من الأبجدية /
لولا وقوفي علي جَبَل ٍلفرحتُ بصومعة النسر : لا ضوء أَعلي !ولكنَّ مجداً كهذا المُتوَّجِ بالذهب الأزرق اللانهائي ِّصعبُ الزيارة : يبقي الوحيدُ هناك وحيداًولا يستطيع النزول علي قدميه فلا النسر يمشي ولا البشريُّ يطيرفيا لك من قمَّة تشبه الهاوية أنت يا عزلة الجبل العالية !
ليس لي أيُّ دور بما كُنْت ُأو سأكونْ ...هو الحظُّ .
والحظ لا اسم لَهُ قد نُسَمِّيه حدَّادَ أَقدارنا
أو نُسَمِّيه ساعي بريد السماء
نُسَمِّيه نجَّارَ تَخْتِ الوليد ونعشِ الفقيد
نسمّيه خادم آلهة في أساطيرَنحن الذين كتبنا النصوص لهم واختبأنا وراء الأولمب ...
فصدَّقهم باعةُ الخزف الجائعون وكَذَّبَنا سادةُ الذهب المتخمون ومن سوء حظ المؤلف أن الخيال هو الواقعيُّ علي خشبات المسارح ِ
خلف الكواليس يختلف الأَمرُليس السؤال : متي ؟بل : لماذا ؟ وكيف ؟ وَمَن مَنْ أنا لأقول لكم ما أقول لكم ؟
كان يمكن أن لا أكون وأن تقع القافلةْ في كمين ، وأن تنقص العائلةْ ولداً ، هو هذا الذي يكتب الآن هذي القصيدةَ حرفاً فحرفاً ، ونزفاً ونزفاًعلي هذه الكنبةْ بدمٍ أسود اللون ، لا هو حبر الغراب ولا صوتُهُ ،بل هو الليل مُعْتَصراً كُلّه قطرةً قطرةً ، بيد الحظِّ والموهبةْ كان يمكن أن يربح الشعرُ أكثرَ لولم يكن هو ، لا غيره ، هُدْهُداً فوق فُوَهَّة الهاويةْ ربما قال : لو كنتُ غيري لصرتُ أنا،
مرَّةً ثانيةْ هكذا أَتحايل : نرسيس ليس جميلاً كما ظنّ . لكن صُنَّاعَهُ ورَّطوهُ بمرآته . فأطال تأمُّلَهُ في الهواء المقَطَّر بالماء ...لو كان في وسعه أن يري غيره لأحبَّ فتاةً تحملق فيه ،وتنسي الأيائل تركض بين الزنابق والأقحوان ...
ولو كان أَذكي قليلاً لحطَّم مرآتَهُ ورأي كم هو الآخرون ...ولو كان حُرّاً لما صار أُسطورةً ...
والسرابُ كتابُ المسافر في البيد ...لولاه ، لولا السراب ، لما واصل السيرَ بحثاً عن الماء .
هذا سحاب - يقول ويحمل إبريق آماله بِيَدٍ وبأخرى يشدُّ علي خصره . ويدقُّ خطاه علي الرمل ِكي يجمع الغيم في حُفْرةٍ .
والسراب يناديه , يُغْويه ، يخدعه ، ثم يرفعه فوق : إقرأ إذا ما استطعتَ القراءةَ .
واكتبْ إذا ما استطعت الكتابة .
يقرأ : ماء ، وماء ، وماء .
ويكتب سطراً علي الرمل : لولا السراب لما كنت حيّاً إلي الآن
من حسن حظِّ المسافر أن الأملْ توأمُ اليأس ، أو شعرُهُ المرتجل حين تبدو السماءُ رماديّةً وأَري وردة نَتَأَتْ فجأةً من شقوق جدارْ
لا أقول : السماء رماديّةٌ بل أطيل التفرُّس في وردةٍ وأَقول لها : يا له من نهارْ !
ولاثنين من أصدقائي أقول علي مدخل الليل : إن كان لا بُدَّ من حُلُم ، فليكُنْ
مثلنا ...
وبسيطاً كأنْ : نَتَعَشَّي معاً بعد يَوْمَيْنِ نحن الثلاثة ،مُحْتَفلين بصدق النبوءة في حُلْمنا وبأنَّ الثلاثة لم ينقصوا واحداًمنذ يومين ، فلنحتفل بسوناتا القمرْوتسامُحِ موت رآنا معاً سعداء فغضَّ النظرْ !
لا أَقول : الحياة بعيداً هناك حقيقيَّةٌ وخياليَّةُ الأمكنةْ
بل أقول : الحياة ، هنا ، ممكنةْ ومصادفةً ، صارت الأرض أرضاً مُقَدَّسَةًلا لأنَّ بحيراتها ورباها وأشجارها نسخةٌ عن فراديس علويَّةٍ بل لأن نبيّاً تمشَّي هناك وصلَّي علي صخرة فبكتْ وهوي التلُّ من خشية الله مُغْميً عليه ومصادفةً ، صار منحدر الحقل في بَلَدٍ متحفاً للهباء ...لأن ألوفاً من الجند ماتت هناك من الجانبين ، دفاعاً عن القائِدَيْنِ اللذين يقولان : هيّا . وينتظران الغنائمَ في خيمتين حريرَيتَين من الجهتين ...يموت الجنود مراراً ولا يعلمون إلي الآن مَنْ كان منتصراً !ومصادفةً ، عاش بعض الرواة وقالوا : لو انتصر الآخرون علي الآخرين لكانت لتاريخنا البشريّ عناوينُ أُخر يأُحبك خضراءَ . يا أرضُ خضراءَ . تُفَّاحَةً تتموَّج في الضوء والماء . خضراء . ليلُكِ أَخضر . فجرك أَخضر . فلتزرعيني برفق...
برفق ِ يَدِ الأم ، في حفنة من هواء .
أَنا بذرة من بذورك خضراء ...
تلك القصيدة ليس لها شاعر واحدٌ كان يمكن ألا تكون غنائيَّةَ ...
من أنا لأقول لكمما أَقول لكم ؟
كان يمكن أَلاَّ أكون أَنا
مَنْ أَنا كان يمكن أَلاَّ أكون هنا ...كان يمكن أَن تسقط الطائرةْ بي صباحاً ،ومن حسن حظّيَ أَني نَؤُوم الضحي فتأخَّرْتُ عن موعد الطائرةْ
كان يمكن أَلاَّ أري الشام والقاهرةْ ولا متحف اللوفر ، والمدن الساحرةْ
كان يمكن ، لو كنت أَبطأَ في المشي ،أَن تقطع البندقيّةُ ظلِّيعن الأرزة الساهرةْ
كان يمكن ، لو كنتُ أَسرع في المشي ، أَن أَتشظّيوأصبح خاطرةً عابرةْ
كان يمكن ، لو كُنْتُ أَسرف في الحلم ،أَن أَفقد الذاكرة .
ومن حسن حظِّيَ أَني أنام وحيداًفأصغي إلي جسدي وأُصدِّقُ موهبتي في اكتشاف الألمْ فأنادي الطبيب، قُبَيل الوفاة، بعشر دقائق
عشر دقائق تكفي لأحيا مُصَادَفَةً وأُخيِّب ظنّ العدم
مَنْ أَنا لأخيِّب ظنَّ العدم ؟ مَنْ أنا ؟ مَنْ أنا
أضافها